بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية
بيان مهم حول حظر بناء المآذن في سويسرا
قال تعالى: {...وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ...}الحج40.
ظللنا نتابع في الأيام الماضية ما يحدث في سويسرا من تعبئة للرأي العام أدت إلى استفتاء على تعديل في الدستور قضى بمنع بناء مآذن جديدة لأيِّ مسجد هناك. مع أن هذه المآذن ليس لها مدلول سياسي، ولكنّها مظهر عمرانيُّ لمكان عبادة المسلمين.
إنَّ ما حدث في سويسرا ليس بالأمر العارض ولكنه جزء من ظاهرة تجلَّت في الرسوم الكاركتيرية بالدنمارك ، ونزع حجاب الطالبات في فرنسا مما يعد امتداداً لسلسلة أعقبت تصريحات أعلنت الحرب الصليبية على الإسلام منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م. والراجح أن جماعات ذات توجُّهات معادية للإسلام والمسلمين هي التي تحرك الرأي العام الغربي وتسوق العامة هناك نحو اتخاذ مواقف مماثلة لما حدث في سويسرا وليس ذلك من مصلحة المجتمع الإنساني في شيء؛ لأنَّ في ذلك:
- عدم اعتراف بالآخر وانتهاكاً لحريته في الاعتقاد ، وعودةً لعصر الاضطهاد الديني.
- إثارةً للكراهية والعنصرية الدينية ضد الأقليات المسلمة في أوربا؛ مما قد يفتح أبواب التطرف.
- انتهاكاً للقيم الإنسانية التي تزعم الحضارة الأوربية الالتزام بها مثل الحرية والعدل والمساواة والإخاء الإنساني.
- إخلالاً بالعهود والمواثيق والأعراف الدولية لحقوق الإنسان.
- وفوق ذلك انتهاكاً للدساتير والمواثيق الأوربية والميثاق الأوربي لحقوق الإنسان خاصة.
ولأن الإنسان يصدر عن أصل واحد وله ضرورات حياتية واحدة هي الدين ـ وحق الحياة ـ وحق صون الذات والكرامة الإنسانية ـ وحق حرية الاعتقاد والفكر والتعبير، والنسب وحق والتملك؛ فلم يكن مستغرباً أن تتحرك الفطرة السليمة وتفصح عن نفسها من خلال ردود أفعال من قطاعات واسعة من المجتمع الأوربي تستنكر ما حدث، شمل ذلك منظمات حكومية ودولية، ومنظمات المجتمع المدني الأوربي وغيرها.
إنَّ ظاهرة العداء التي يضمرها البعض للأقليات المسلمة في أوربا تقتضي النظر إليها بموضوعية من قبل المجتمعات الأوربية على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها ؛لأن من مصلحة الإنسانية التعايش السلمي بين حضاراتها وثقافاتها، وقبول التنوع بوصفه حقيقةً لا مفر منها.
ومن الأجدى للمجتمع السويسري وغيره من المجتمعات الأوربية أن يراعوا أولاً عهودهم ومواثيقهم التي تدعوهم إلى الحفاظ على قيم التعايش مع الآخر وإتاحة الحريَّات وبخاصة حريّة التعبير عن الشعائر التعبدية للجميع، وأن لا ينسوا- في ظلِّ تنامي الاعتماد المتبادل بين الأمم والشعوب- أنَّ ثمة مصالح مشتركة بينهم وبين أمم العالم الإسلامي وشعوبه. وقد يؤدي مثل ما حدث هذا إلى تفويتها.
أما منطلق المسلمين في التعامل مع هذه الواقعة، أو الظاهرة في مجملها فيجب أن يكون الإصلاح ما استطاعوا، ولا يجب أن ينسيهم ما جرى للمسلمين هناك الصدع بقيم الإسلام الذي يدعو إلى الوحدة لا إلى التفرق، ويدعو إلى التعايش لا إلى الإقصاء، ويدعو إلى الإحسان لا إلى الإساءة للآخرين، ويدعو إلى اللين والرفق في القول لا إلى التعنيف والتشاكس، ويدعو إلى التكافل والتعاضد لا إلى التنازع والتناحر، وذلك يقتضي من المسلمين في بلاد الإسلام كافة، أن يقدموا النموذج الأمثل لقيم دينهم من خلال الإحسان إلى الذين يلونهم من غير المسلمين، فالدين المعاملة.
وفوق ذلك فإن التصدي الفكري - من خلال أطروحات علمية لبيان حقيقة الإسلام ونفي ما يلحق به من تشويه بين حين وآخر- يعدُّ أمراً ضرورياً ولازماً ؛ حمايةً للإسلام من كيد أعدائه وجهل بعض أبنائه. وفي ظل ثورة المعلومات والاتصالات وتقنيات العصر فإن للرأي العام أبلغ الأثر في مثل هذه القضايا ؛ الأمر الذي يجعل الرهان عليه ممكناً لمن أحكم مضمون الرسالة وأتقن لغتها، وأحسن وسيلتها واختيار المخاطبين بها؛ لثقتنا في أنَّ قيم الدين ستجد صدى في نفوس الناس المجبولين على ذلك بالفطرة .
إننا نناشد: الحكومات الإسلامية والمنظمات الدولية الحكومية وعلى رأسها منظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، وقادة الرأي والإعلاميين، وخطباء المساجد وعامة المسلمين أفراداً وجماعات، بالتصدي لهذه الظاهرة المتكررة، بما يناسب آثارها الضارة ويحتويها بالوسائل المشروعة.
كما نؤكد المناشدة للمسلمين في أوربا عامة وفي سويسرا خاصة بالتعبير عن قيم الإسلام الفاضلة من خلال تمثيلهم لتلك القيم بسلوكهم الحضاري، والتعاون والتعايش مع الأغلبية في مجتمعاتهم، وتمثيل الإسلام بأبلغ أساليب الدعوة العملية.
{... وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } الحج 40
جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية ـ السودان